مقال للأستاذ عبد الرزاق التجاني تحت عنوان الرقمية وتدريس النصوص - فضاء الخوارزمي

أخر الأخبار

الأحد، 29 مارس 2015

مقال للأستاذ عبد الرزاق التجاني تحت عنوان الرقمية وتدريس النصوص

مقال للأستاذ عبد الرزاق التجاني تحت عنوان الرقمية وتدريس النصوص

مقال أعجبنى و هو للأستاذعبد الرزاق التجاني و أريد ان أشاركه معكم لكي تعم المعرفة و انصحكم بقرائته

"إن كل متغير ثقافي وعلمي، يؤثر مباشرة على الوعي وسلوك الأفراد، ونظام الحياة، لابد من أن تواكبه أسئلة ثقافية وفلسفية ذات علاقة بمعنى الوجود" د. زهور كرام
يلاحظ أن الكثير من الدراسات المعنية برصد التحولات المصاحبة لمرحلة "ما بعد الحداثة" تستخدم مفهوم الرقمية لتوصيف هذه المرحلة. وهذا المفهوم يشي بأن السمة الأساس المميزة لهذه المرحلة ، مرحلة الانفجار المعرفي والمعلوماتي، تتمثل في غلبة التقنية التي وجهت الإنسان إلى التحول من التركيز على التصنيع نحو اعتماد اقتصاد المعرفة الذي يستند أساسا إلى وسائل الاتصالات السريعة، وأساليب التواصل الفعالة.
لقد أفرزت الرقمية، باعتبارها ثورة صناعية ثالثة حسب تعبير الباحث محمد أسليم، تقنيات جديدة في مقدمتها الحاسوب، تقنيات استطاعت تثوير أشكال صنع الحضارة المعاصرة، وفرضت على الإنسان تغيير أنماطه الفكرية ووسائل بناء المعرفة وإنتاجها في مختلف المجالات والتخصصات.     
 ولأن المجال الثقافي شديد التأثر بالتحولات التي تطرأ على أساليب الإنتاج الفكري والفني ووسائله، كان من الطبيعي أن يتأثر هذا المجال بمستجدات الثورة الرقمية، فهذه الثورة ماضية في إحداث تغييرات جوهرية تمس بالخصوص مدخلين هامين من مداخل بناء الإنسان للمعرفة والثقافة، أعني الكتابة والقراءة.
أصبح النص، السند الرئيس للكتابة والقراءة، والمحدد للتقاليد الثقافية، يبحث عن شكل جديد يمكن من استثمار بعض منجزات الرقمية التي جعلت منه موضوعا جديدا بمواصفات جديدة. لقد تراجع النص بخصائصه التقليدية المرتبطة بالسند الورقي، إذ تخلخلت علاماته وكلماته وصفحاته..، وبرز الحديث بقوة عن النص التشعبي Hypertexte[1].
       مع هذا المولود الجديد، التشعبي، فقد النص الكلاسيكي حدوده ومقوماته، فبعد أن كانت الخطية والثبات سمات مميزة له، تحرر هذا النص، مع السند الإلكتروني من الخطية، واحتضن خاصية التشعبية. وهذه الخاصية تجعل منه نصا تفاعليا بامتياز، أي إنه يفتح أمام مختلف المتلقين قنوات عدة لمقاربته وتلقيه بصيغ متعددة ومختلفة.
     لقد كان طبيعيا أن يخلخل هذا المولود الجديد وضعيات الكتابة والقراءة. ويلخص الاستاذ محمد أسليم هذه التحولات في الجوانب الآتية:
-         تحول الكتابة إلى ورشة مفتوحة على الدوام: ومعنى هذا آن الرقمية فتحت أمام الجميع إمكانيات للنشر الإلكتروني السريع، مع تحكم في صيغ هذا النشر، أي نشر المنتوج بشكل متقطع أو في صورته المتكاملة. هذا فضلا عن قدرة الكاتب على التعديل المستمر للمنتوج.
-         تراجع الكتاب التقليدي الورقي: إن هذا التراجع لا يعني فقدان الكتاب لمكانته التي اكتسبها بفعل قرون من عادات الكتابة والقراءة التي ارتبطت بالسند الورقي، بل يتعلق الأمر ببروز الشاشة سندا جديدا ساهم في انسيابية النص، وتوفره على قابلية للتخزين والنشر..، فالنص التشعبي اليوم، يبحث عن شكل جديد تحضر فيه إمكانات السند الرقمي، إمكانات جعلت منه مطبوعا بدون حبر، و مجموعة سلاسل رقمية تشكل على الشاشة خاصيات اعتباطية هي اشبه بأشباح تناوب بين البروز والاختفاء..
-         فتح آفاق جديدة أمام الممارسة الكتابية: إذا كانت موضوعات القراءة مع الرقمية تتميز بخصائص اللامادية، والانفجارية، واللاتزامنية...، فإن هذه الخصائص أفرزت نماذج قرائية وكتابية جديدة منها :
  w أجناس أدبية جديدة كالأدب التركيبي، والشعر الرقمي، ورواية الواقعية الرقمية..
      wأشكال تعبيرية جديدة التبادل الشعري، مواقع للمحادثة، بوابات، مجلات إلكترونية[2]...
       وإجمالا فقد برزت بنيات وروابط تقوم بوظائف جديدة، وتنجز مجموعة عمليات تيسر التواصل بكل أشكاله.
-         تحولات على مستوى القراءة : نظرا لتلازم الكتابة والقراءة باعتبارهما وجهين لعملة واحدة، فقد كان من المنطقي أن تؤثر التحولات الطارئة على الكتابة على فعل القراءة.
 إن مرحلة القراءة على الشاشة وعبرها تتميز بمواصفات جديدة فرضتها طبيعة العالم الافتراضي، ومكونات النص التشعبي. فمع الحاسوب غدا بمكنة القارئ الانتقال من وضعية التلقي السلبي إلى وضعية قارئ يتفاعل إيجابا مع  المقروء، إذ يوظف جملة من الأدوات والروابط التشعبية التي تتيح له قراءة/تلقي جملة من العناصر والأشكال، قراءة تسمح له بالحرية في اختيار ما يرغب فيه، مع إمكانية لتقويم المقروء بالتعديل والإضافة...
مع الرقمية تعددت صيغ واشكال القراءة(التحرك العمودي، القراءة عبر النوافذ والروابط، تعديل المسارات..)، وتحققت العديد من مفاهيم منظري القراءة الذين طالما دعوا إلى كتابة نصوص تحفز على إنجاز قراءة تفاعلية نشيطة(نشير هنا إلى طروحات ياوس R.H.Jauss وإيزر W.G.Isserو أمبرطو إيكو  Umberto Eco).  فالنص التشعبي يجعل فعل القراءة يقود حتما إلى إعادة الكتابة، أي إنه محفز لما تسميه جوليا كريستيفا j.Kristiva   بالإنتاجية Productivité.
 وصفوة القول فثورة النص الرقمي هي في الآن ذاته ثورة لتقنية الإنتاج وإعادة إنتاج النصوص، إنها ثورة في اشكال ودعامات الكتابة، وثورة في طرائق واستراتيجيات القراءة.
  لقد غزت الرقمية مختلف مجالات النشاط الإنساني، وهي تنحو في اتجاه العصف بالعديد من القيم والمؤسسات والتنظيمات التي بنتها البشرية خلال عقود من الزمن.
وإذا كانت المدرسة مجتمعا مصغرا على حد تعبير دوركهايم، أي بنية صغرى ضمن نظام أوسع هو المجتمع، فإن هذه العلاقة تعني تأثر المؤسسة التربوية والوسط التعليمي بتكنولوجيا الإعلام والتواصل، ومن مظاهر هذا التأثر بروز اتجاه جديد في مجال التربية يعنى بالبحث في إدماج التقنيات الرقمية بأنواعها في الممارسات التعليمية.
ويلاحظ في البلدان العربية الجهود الحثيثة للاستفادة من تكنولوجيا الإعلام والتواصل، إذ تم إدماج مادة المعلوميات ضمن المناهج الدراسية، وأصبح المتعلمون في مختلف المراحل الدراسية يستفيدون من حصص تمكنهم من أدوات التعامل مع الحاسوب.
ورغم هذه الجهود فإن محاولات الاستفادة من منجزات الرقمية في تدريس مهارات القراءة والكتابة داخل الفصول الدراسية لاتزال متعثرة لعوامل عديدة.
إن التفكير في إدخال طرق جديدة في الدرس القرائي بات أمرا ملحا، ذلك أن بعض الباحثين يتساءلون حول جدوى بقاء المؤسسات التعليمية في شكلها الحالي خاصة مع مستجدات الثورة الرقمية التي أفرزت كما ألمحنا أنفا تحولات همت الممارسات القرائية والكتابية.
وتؤكد العديد من البحوث أن درس القراءة بالمؤسسات التربوية في بعض البلدان العربية يعاني اختلالات مزمنة، ففي هذا الدرس تهيمن طرائق التلقين في إقراء النصوص، وتعتمد استراتيجيات تتمحور حول المدرس باعتباره وحده القادر على تحديد معنى موجود سلفا في النص، وتقريبه من المتعلم الذي يعد - في ظل هذا المنظور الديداكتيكي التفسيري- مجرد قارئ مستهلك يكتفي بتخزين واجترار أفكار ورؤى المدرس.
ونعتقد أن طرائق التدريس في حاجة ماسة إلى الاستجابة للتحولات الطارئة وتلبية حاجات المجتمع في مجال القراءة- الكتابة، تلك الحاجات المرتبطة بتطوير كفايات المتعلم القرائية، وإقداره على التفاعل مع الأشكال الجمالية الجديدة، والدعامات القرائية المستحدثة.
إن المدرسة اليوم مدعوة إلى إعادة النظر في أدوار المدرس، والاتجاه نحو دمقرطة المعنى، مما يفرض تبني مقاربات ديداكتيكية تستلهم طرائق التدريس النشيطة، تلك الطرائق التي تعطي الدور الأكبر للمتعلم في بناء التعلمات.
ولعل التفكير في الانفتاح على تجربة النصوص الرقمية يعد خطوة هامة في هذا الاتجاه. قد يعترض البعض على هذا الأمر بدعوى أن النصوص الرقمية ذاتها- ولاسيما في السياق الثقافي العربي- لم تستطع اكتساب رهان وجودها بعد، نظرا لأنها لم تثبت جدارتها على المستوى الأكاديمي، جدارة يمكن أن تتحقق من خلال وجود تراكم في الإنتاج الرقمي، تراكم سواء على مستوى التنظير أم على مستوى الإنتاج والتلقي.
إن واقع النصوص الرقمية يكشف بجلاء صحة هذه الدعوى، غير أن تحقق رهان الرقمية ونصوصها يبقى مسألة حتمية وإن كان الأمر يتطلب زمنا ليس باليسير، لأن هذه الثورة مهما بلغت قوتها لا يمكن أن تلغي ممارسة تجذرت سنين من الزمن، أي الممارسة المرتبطة بالسند الورقي.
  والحال أن صحة هذا الطرح لا يجب أن تحجب عنا تلك الفكرة التي مفادها نهاية عصر الكتابة أمام الروبوهات الذكية القادمة، وأن الرقمية حلقة طبيعية ومنطقية في مسار تطور الكتابة.
ولعل تأملا بسيطا في واقع الإنتاج الرقمي يبين أن هذا الإنتاج آخذ في التبلور، فالنصوص الرقمية في التجربة الأوربية والأمريكية تعرف انتشارا مهما ، أما  في السياق العربي فهي قليلة جدا، وهنا يمكن أن نشير إلى إنتاجات رائد الأدب الرقمي العربي والمبدع الأردني محمد سناجلة.
على المستوى التدريسي تتجه الجامعات  في البلدان العربية نحو إدخال الأدب الرقمي في البرامج التعليمية، إذ تخصص حصصا للتأمل في النصوص الرقمية وبعض الكتابات النقدية التي تتخذ من تلك النصوص موضوعا لها. أما في المراحل التعليمية الأخرى، فالاهتمام بالنص الرقمي لايزال غائبا، إذ تسيطر النصوص والإنتاجات الورقية على البرامج الدراسية.
ونعتقد أن تأهيل المتعلمين لمواكبة متطلبات الرقمية خاصة في مجال القراءة والكتابة يفرض وضع خطط تعليمية تراعي تلك المتطلبات. ومن الاقتراحات التي نراها كفيلة بالإسهام في نجاح هذه الخطط :
-         تكوين المدرسين في مجال تقنيات المعلوميات والتواصل، ويفترض أن يؤهلهم هذا التكوين للتمرس الحقيقي بالمعلوميات، إذ عادة ما يكتفى بتقريبهم من المعلوميات باعتبارها أدوات للكتابة والقراءة، علما أن "توظيفنا تكنولوجيا الإعلام والتواصل في إنتاج النص وتلقيه لا يعني بالضرورة أننا دخلنا العصر الرقمي. وأننا مطالبون لدخول العصر الرقمي تمثل روحه لا الاكتفاء بوسائله وأدواته"[3]؛

-         تأهيلهم في مجال الكتابة الرقمية وآليات تلقيها، فنحن في حاجة ماسة إلى مدرس قادر على ممارسة الكتابة الرقمية باعتبارها الشكل الملائم للكتابة المستقبلية؛
-         تدريبهم على آليات تدريس الإنتاج الرقمي، بحيث يركز التدريب على تمكينهم من استراتيجيات تراعي مقتضيات الوسائط الجديدة وشروطها.
  إن المدرس مدعو إلى التكيف مع مستجدات الرقمية، وذلك بالتخلي عن دور العارف والسلطوي لصالح المؤطر والمشرف على جماعة الفصل. ومن جانب آخر ينتظر من المقاربات الديداكتيكية الجديدة أن تمهر المتعلمين على انتهاج طرائق جديدة للاستفادة من المعرفة، وبعبارة موجزة، فمهمة المدرس هي دعم المتعلمين لاكتساب كفايات قرائية ووسائل جديدة لاكتساب وتعلم مهارات الكتابة والقراءة الملائمة للرقمية؛
-         إدخال تدريجي لنماذج من الكتابة الرقمية في البرامج الدراسية الموجهة للمتعلمين في مختلف المراحل التعليمية، وهذا الأمر رهين بتحقيق تراكم في النصوص الرقمية العربية، تراكم كفيل بتجديد الكتابة العربية لتكون رقمية، ومن تم يتمكن المتعلم من التفاعل الإيجابي مع هذه الكتابة تلقيا وإنتاجا؛
-         توفير قاعات مجهزة بمختلف الوسائل التي تسمح بإنجاز دروس في تلقي وإنتاج النصوص الرقمية...
       هذه عينة من المقترحات لتأسيس تصور جديد لتدريس النص الرقمي، وهي مجرد لبنة في سيرورة تتطلب المزيد من البحث والإضافة، ذلك أن التحديات متعددة لتأسيس ديداكتيك جديد للقراءة- الكتابة، ديداكتيك يأخذ مكانته في الوسط الرقمي.
 وخلاصة القول فالأمر يتطلب  – كما تؤكد الباحثة زهور كرام- " من الحكومات العربية بما فيها وزاراتها في التربية والتعليم ووزاراتها في الثقافة والتواصل بضرورة الانتباه إلى التربية على ثقافة التكنولوجيا، من أجل خلق جيل مؤهل لكي يبدع ثقافته وإبداعاته ورموزه بناء على ممارسته لثقافة التكنولوجيا وذلك حتى لا يبقى الفرد العربي مجرد مستهلك للمفاهيم - نظريا- وللتكنولوجيا كمتلق دون أن يتحول إلى منتج".[4]




 ـ اقترح الأستاذ سعيد يقطين ترجمة أخرى للمفهوم هي  النص المترابط، للتوسع ينظر كتابه " النص المترابط ومستقبل الثقافة العربية".[1]   
[2]   ـ  محمد أسليم، محاضرات في الرقمية، مركز تكوين مفتشي التعليم، السنة التكوينية 2009/2010.
[3] - سعيد يقطين، النص المترابط ومستقبل الثقافة العربية، ط1، المركز الثقافي العربي، البيضاء، المغرب، 2008،ص. 16.
- زهور كرام، الأدب الرقمي، ط1، 2009، رؤية للنشر والتوزيع، القاهرة، ص.104.[4]

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق