العولمة والهوية الثقافية
" دروس الجغرافيا الثانية باكالوريا 2bac "
تمهيد إشكالي:
يمكن تعريف العولمة الثقافية
بأنها محاولة مجتمع ما تعميم نموذجه الثقافي على باقي المجتمعات الأخرى، من خلال التأثير
على المفاهيم الحضارية والقيم الثقافية والأنماط السلوكية لأفراد هذه المجتمعات، بوسائل
تقنية واقتصادية وثقافية متعددة.
فما هو مفهوم العولمة والثقافة والهوية الثقافية؟
وما هو البعد الثقافي لظاهرة العولمة؟
وما هي بعض مظاهر ووسائل عولمة الثقافة؟
وما هي انعكاساتها على القيم والهوية الثقافية الوطنية والقومية؟
I – مفهوم العولمة، والثقافة،
والهوية الثقافية:
1 –
تحديد المفاهيم:
ü
العولمة: لغة هي تعميم الشيء ليكتسب صفة عالمية، واصطلاحا: سيادة
نموذج سياسي واقتصادي واجتماعي وثقافي موحد على الصعيد العالمي.
ü
الثقافة: هي منظومة مركبة ومتجانسة من القيم والتقاليد والعادات والأحلام
والآمال والإبداعات، وهي المعبرة عن خصوصية مجموعة بشرية معينة في الزمان والمكان،
وليست هناك ثقافة واحدة وإنما تسود أنواع وأشكال ثقافية منها ما يميل إلى الانغلاق
والانعزال، ومنها ما يسعى إلى الانفتاح والانتشار.
ü
الهوية الثقافية: هي نظام من القيم والتصورات والتمثلات التي يتميز بها مجتمع
ما تبعا لخصوصياته التاريخية والحضارية، وكل شعب من الشعوب البشرية ينتمي إلى ثقافة
متميزة عن غيرها، وهي كيان يتطور باستمرار، ويتأثر بالهويات الثقافية الأخرى، ولهذه
الأخيرة مستويات ثلاث هوية فردية، هوية جماعية، هوية وطنية.
2 - البعد الثقافي للعولمة:
تسعى العولمة إلى تصدير
وفرض القيم الليبرالية الغربية على كل أمم وشعوب الأرض، مما أدى وسيؤدي إلى قولبة
/ نمذجة الثقافة العالمية وفق الثقافة الغربية المنتشية بانتصارها على التجربة الاشتراكية
المحققة، كما مثلثها بيروقراطية الاتحاد السوفيتي.
II – خصائص وعلاقة كل من العولمة
والهوية الثقافية:
1 - خصائص العولمة والهوية الثقافية:
تسعى العولمة إلى خلق نظام عالمي نموذجي وموحد لا
يقبل التمايزات ولا الخصوصيات (مذهب واحد ونهائي على الصعيد العالمي)، بينما تتميز
الهوية الثقافية بخصائص التفرد والتعدد والاختلاف، فهناك ثلاث نماذج من الهويات الثقافية:
1. هوية
فردية: داخل القبيلة أو الطائفة أو الحزب ...، تدافع عن الاستقلالية
والتميز الفردي.
2. هوية
جماعية: تدافع عن الخصوصيات المكونة للجماعة وإن اختلفت عن باقي
الجماعات الأخرى.
3. الهوية
الثقافية القومية أو الوطنية: تفتخر بعناصرها الحضارية
والثقافية المميزة لها عن باقي الأمم والقوميات الأخرى.
2
- العلاقة بين العولمة والهوية الثقافية:
من بين اتجاهات العولمة،
الاتجاه الثقافي الذي تندثر بمقتضاه الخصوصيات الثقافية وأنماط الاستهلاك أمام نقل
الثقافات والأفكار إلى المستوى العالمي، مما يسمح ببروز مفاهيم إنسانية مشتركة عابرة
لكل المناطق، وبالتالي فهدف العولمة الثقافية ليس هو خلق ثقافة عالمية واحدة بل هو
خلق عالم بلا حدود ثقافية، لكن من الملاحظ أن الثقافات الوطنية أصبحت تنصهر في ثقافة
العولمة بهدف ترسيخ نمط ثقافي معولم (النمط الغربي) تهيمن عليه قيم المجتمعات الأكثر
تقدما، ومن جوانب تأثير العولمة الثقافية على ثقافة المجتمعات (الهوية الوطنية)،
هناك:
ü
التأثير اللغوي: استعمال بعض اللغات الغربية (الفرنسية، والانجليزية) كلغات
رسمية في مرافق الإدارة والاقتصاد، استعمالها في وسائل الإعلام والاتصال، وفي المقررات
الدراسية، وكلغات للتخاطب اليومي ...
ü
التأثير الخلقي: انتشار مظاهر العنف والإباحية في وسائل الإعلام والسينما
والقنوات الفضائية وعلى شبكة الإنترنت، مما تسبب في تدهور القيم في بعض المجتمعات التي لا تزال تحتفظ بقيم العفة
والحشمة.
ü
التأثير القيمي: تنميط القيم ومحاولة جعلها واحدة لدى البشر في المأكل والملبس
والعلاقات الأسرية وبين الجنسين، علاوة على نشر قيم الاستهلاك الرأسمالي.
III - مظاهر وآليات عولمة الثقافة وردود الفعل اتجاهها:
1 - آليات
عولمة الثقافة:
ü
وسائل الاتصال والإعلام: تتجلى في القنوات التلفزيونية والفضائية وشبكة الانترنيت
والجرائد والصحف والمجلات والأقراص المدمجة والهاتف ...، حيث قامت بعض الشركات الأمريكية
مثلا عبر القنوات الفضائية والسينما وشبكة الإنترنت بنشر اللغة الإنجليزية وأنماط الاستهلاك
الأمريكي.
ü
الوسائل الفنية: كالسينما التي تهيمن فيها الأفلام الأمريكية المثيرة وتغلب
عليها أفلام الرعب، والموسيقى التي تهيمن عليها الموسيقى الغربية الصاخبة،
بالإضافة إلى تمرير خطابات إلى الأطفال عبر الرسوم متحركة.
ü
الأدوات اللغوية: تتمثل في استعمال اللغة الانجليزية والفرنسية في التواصل
والإعلام والتربية والتعليم والعمل والأماكن العمومية والخاصة، فاللغة حاملة
للثقافة والحضارة الانجليزية والفرنسية .
2 - مخاطر
العولمة على الهوية الثقافية:
ü
في الثقافة: تنميط ثقافي للعالم وفق الثقافة الغربية، حدوث ردة ثقافية
انغلاقية عند الشعوب الضعيفة .
ü
في السلوك والقيم: تدهور القيم والسلوك جراء الاختراق القيمي السلبي، نشر قيم
الاستهلاك الرأسمالي وقيم الفردانية ...
ü
في اللغة: تراجع اللغات القومية لفائدة اللغات المهيمنة (الانجليزية،
الفرنسية ...) في الإدارة والاقتصاد والتعليم، والإعلام، والتواصل اليومي ...
خاتمة:
إن الحدود بين الدول لا
يمكنها أن تمنع العولمة الثقافية من الانتشار، لأنها ظاهرة واقعية تفرض نفسها بحكم
النفوذ السياسي والضغط الاقتصادي والتغلغل المعلوماتي والإعلامي التي يمارسها النظام
العالمي الجديد، لكن تستطيع أن تتحكم في الآثار السلبية لهذه العولمة، إذ بذلت جهودا
مضاعفة للخروج من مرحلة التخلف إلى مرحلة التقدم في المجالات كلها وليس فحسب في مجال
واحد نظرا للترابط بين عناصر التنمية الشاملة ومكوناتها.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق