حقوق الاسرة في الإسلام - فضاء الخوارزمي

أخر الأخبار

الجمعة، 27 يناير 2017

حقوق الاسرة في الإسلام

حقوق الاسرة في الإسلام

إذا كانت حقوق المرأة الاجتماعية والمدنية والسياسية حقوقاً ضمن المجتمع الكبير فهناك مجتمع صغير لا يقل أهمية عن هذا المجتمع الكبير بل إن المجتمع الكبير لا يتألف إلا من مجموع هذه المجتمعات الصغيرة التي تشكل قوام الأسرة وكيانها, مجتمع تجتمع فيه الزوجة وزوجها تحت جناح واحد هو الأسرة... ولم يتجاهل الإسلام هذا المجتمع الصغير بل أولاه قدراً كبيراً من عنايته وشرع لحمايته حقوقاً وواجبات على كل من الزوج والزوجة والأولاد. وقبل أن نبدأ بسرد هذه الحقوق لابدّ لنا أن ننوه إلى أن حقوق الزوج والزوجة هي حقوق متساوية إلا أنها مع هذا ليست متماثلة في جميعها بل هي متباينة في بعض هذه الحقوق. فالحقوق بين الزوج والزوجة هي حقوق متساوية وهذا التساوي لا يعني التماثل في كل شيء بل كل ما يعنيه هو أن هذه الحقوق هي حقوق متبادلة بينهما فما من واجب تؤديه الزوجة لزوجها إلا وللزوج مثله في نوعه فهو مثل له في جنسه /فرضيته/.

فكون الرجل زوجاً يمنحه حقوقاً ويفرض عليه واجبات معينة وكون المرأة زوجة يمنحها حقوقاً ويفرض عليها واجبات أخرى يباين بعضهما ما للزوج وما عليه. وغاية الإسلام فيما فرضه من الحقوق والواجبات على الزوجين هو الحفاظ على الرابطة المقدسة بينهما على أتم ما يكون الوفاق والوئام والابتعاد عن كل ما يؤدي إلى حصول الشقاق والنزاع وبسبب هذه الغاية كان لابد أن تتباين بعض حقوقهما وتختلف فيما بينها. ولقد عبر القرآن الكريم عن هذه المساواة وذلك في قاعدة كلية فقال تعالى: (ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف وللرجال عليهن درجة..) سورة البقرة الآية 228.

والمراد بالمثل هنا المماثلة في الجنس والفرضية لا المماثلة في النوعية والكيفية فهي مماثلة جزئية لا كلية مماثلة التكافؤ الذي يعود على كل منهما بما يرضيه لقاء ما قدّم لصاحبه. أما هذه الدرجة  فقد شرحها الله تعالى في آية أخرى ذاكراً بأنها درجة القوامة فقال تعالى: ( الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم..) سورة النساء الآية 34.

ويحق لنا أن نتساءل عن معنى هذه القوامة والدرجة التي جعلها الله تعالى للرجال على النساء والتي تتباين بسببها بعض الحقوق بين الزوج وزوجته وهل في هذا انتقاص من حقوق المرأة ومن مساواتها للرجال عامة ولزوجها خاصة؟ نبتدئ حديثنا في هذا المجال بالقول: إن هاتين الآيتين قد أنزلتا في صدد الحديث عن الحياة الزوجية فقط.

وقد قررت هاتان الآيتان أن للرجل وحده مسؤولية الهيمنة والرئاسة والقوامة _ القيام على الأسرة والقوامة هي: القيام على الشيء بالنظر فيه وحفظه ورعايته. وهذه الدرجة التي أعطاها الله للرجل ليست درجة القهر والسلطان بل هي درجة القيادة والرياسة والقيام على المصالح والتي لابد منها لأي مجتمع صغيراً أم كبيراً أسرة أم قرية مدينة أم أمة. والحياة الزوجية حياة اجتماعية ولابد لكل اجتماع من رئيس لأنه لا بد من أن تختلف آراء المجتمعين ورغباتهم في بعض الأمور وعندها لن تقوم مصالحهم على الوجه الأتم إلا إن كان لهم رئيس يرجع إليه عند الخلاف لئلا يعمل كل واحد منهم على عكس رأي الآخر مما يسبب انفصام عرى الوحدة الجامعة واختلال النظام. وقد أولى الله الرجل لا المرأة هذه الدرجة درجة القوامة والرئاسة بسبب أمرين ذكرتهما الآية: ( بما فضّل/1/ الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم ..) سورة النساء الآية 34.


1 – الرجل هو المكلف بالإنفاق على الأسرة لا المرأة بسبب ما حباه الله به من المقدرة الجسمية التي تفوق مقدرة المرأة فهو مجبر بالإنفاق على زوجته سواء كانت غنية أم فقيرة عاملة أم عاطلة عن العمل/2/. وليس من العدالة في شيء أن يكلف شخص بالإنفاق على هيئة ما دون أن يكون له القيام والإشراف على شؤونها. طبقاً للقاعدة الفقهية "الغنم بالغرم"وعلى هذا المبدأ قامت الديمقراطيات الحديثة والدساتير في العهد الجديد فالمواطنون الذين يدفعون الضرائب ويقومون بالإنفاق على مرافق الدولة لهم الحق في القيام على أمورها ومراقبة جميع سلطاتها "من ينفق يشرف".

2 – المرأة مرهفة العاطفة قوية الانفعال فناحية الوجدان لديها تسيطر سيطرة كبيرة على مختلف نواحي حياتها النفسية. ومهما يكن من أمر فإن قوة عاطفة المرأة وتحكيمها لعاطفتها أكثر من تفكيرها في أغلب الأحيان ليس نقصاً ولا عيباً بل هو أمر لابد منه لقيام المجتمع على خير وجه. فالله قد خلق المرأة على هذا الوضع حتى يكون لها من طبيعتها ما يتيح لها القيام بوظيفتها وظيفة الأمومة والحضانة ورعاية شؤون الزوجية على خير وجه. إذ أنه من الواضح أن القيام بهذه الوظيفة يحتاج إلى عاطفة مرهفة ووجدان رقيق وحنان رحيم أكثر مما يحتاج إلى التفكير والتأمل والإدراك. وبذلك فإن قوة العاطفة والوجدان في المرأة مظهر من مظاهر كمالها وكمال أنوثتها وليست نقصاً في حقها على الإطلاق.

أما الرجل فغالب أمره عدم الاندفاع مع عواطفه ووجدانه كما هو اندفاع المرأة بل تغلب عليه ناحية الإدراك والتفكر والتأمل وذلك أن القيام على أمور الأسرة والإشراف على شؤونها يحتاجون إلى الإدراك والتفكير والتأمل والحزم أكثر مما يحتاجان إلى العاطفة والوجدان وبذلك يظهر لنا أن درجة القوامة والرئاسة الممنوحة للرجل على المرأة لا تعني أن الرجل أفضل من المرأة إذ هي درجة تكليف لا تشريف وواقعية لا أفضلية ومسؤولية جماعية لا ميزة رجالية. ولقد أوجد الشارع الحكيم هذه الفوارق بين الرجل والمرأة من أجل توثيق العلاقة العائلية وتقوية أساس الوحدة الزوجية وتوزيع المسؤوليات بينهما وتحديد حقوقهما وواجباتهما على أساسها.

وخير مثال لنا للدلالة على أن الفوارق بين الرجل والمرأة لا تعني أن الرجل أفضل من المرأة ما يوجد بين أعضاء الجسم من فروق فالمرأة والرجل بمنزلة الأعضاء من جسم الشخص الواحد الرجل بمنزلة الرأس والمرأة بمنزلة البدن ومن المعلوم أن للرأس درجة الإشراف على البدن إلا أنه لا يمكننا القول أن الرأس أفضل من البدن إذ لا الرأس يستغني عن بدنه ولا البدن يستغني عن رأسه ولا قيام لأحدهما دون الآخر.

فالإسلام جعل رياسة الرجل في الأسرة رياسة رحيمة قائمة على المودة والمحبة والإرشاد. وقد قيد الشارع هذه الرياسة بقيود كثيرة تحفظ للمرأة كرامتها وتصون حقوقها وتحقق مصلحتها على خير وجه. وبذلك فإن الرياسة هنا ليست رياسة تسلط يكون المرؤوس فيها مسلوب الإرادة بل هي رياسة يتصرف فيها المرؤوس بإرادته واختياره فهي رعاية ومحبة مخلصة وليست سلطاناً مفروضاً هي تدبير وإرشاد وليست سيطرة ولا استبداداً. وتتمثل رياسة الرجل على زوجته في حقه في تدبير سياسة البيت وللمرأة باع طويل في هذا المجال فلها مقام مساعدة الرئيس فالزوج لا يدبر شؤون المنزل بمعزل عنها بل بتعاون تام معها. وتتمثل رياسته أيضاً في إطاعة الزوجة له في دائرة المعقول والمعروف. ولا بد لنا أخيراً من القول: إن الإسلام لم يجعل حق الرجل في الرياسة حقاً خالياً من الواجبات بل فرض عليه مقابل هذا الحق واجبات كثيرة فأوجب عليه المهر لزوجته والإنفاق على أسرته وصيانة أفرادها ورعاية حقوقهم كما أوجب عليه العدالة والمعاملة بالحسنى والرفق في علاج مشكلات الحياة.

حقوق الزوجة على زوجها:

كرم الإسلام الزوجة وبلغ بتكريمها الأوج حين جعلها مساوية للرجل لها عليه حقوق وواجبات مقابل حقوقها وواجباتها تجاهه. وبذلك سما الإسلام بالزوجة فجعلها شريكة للزوج مساوية له بعد أن كانت تعتبر كالعبيد في معظم الشرائع والنظم والعقائد السابقة للإسلام.

ولقد نظّم الإسلام حقوق الزوجة على أتم وجه ويمكننا تصنيفها تحت بندين, حقوق مالية وحقوق غير مالية.

حقوق الزوجة المالية:

أ – النفقة:

أوجب الإسلام النفقة للزوجة على زوجها والنفقة عبارة عن المأكل والمشرب والمسكن وسائر ضروريات الحياة, بل وأوجب لها الخادم وإن كانت منزلتها الاجتماعية تقتضي أن يكون لها خادم وكان الزوج موسراً. وقد قال تعالى في هذا: ( وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن بالمعروف ..) سورة البقرة الآية 23.

وعن معاوية القشيري أن النبي صلى الله عليه وسلم سأل رجل: ما حق المرأة على الزوج؟ قال: أن تطعمها إذا طعمت, وتكسوها إذا اكتسيت ولا تضرب الوجه ولا تقبّح – أي لا تقل لامرأتك قبّحها الله – ولا تهجر إلا في البيت "رواه أحمد وأبو داوود وابن ماجه"/3/.

فالزوجة غير مكلفة بالإنفاق على نفسها حتى ولو كانت غنية أو عاملة فلا تكلف بالإنفاق على نفسها مما تكسبه, ولا يحق للرجل أن يلزمها بالإنفاق على نفسها بل ولا يحق له أيضاً أن يتصرف بأي جزء من مالها دون رضاها.

ب – المهر:

أوجب الإسلام المهر للزوجة على زوجها والمهر هو: المال الذي تستحقه الزوجة على زوجها بالعقد عليها أو بالدخول بها حقيقة.

والحكمة من إيجاب المهر إظهار خطر عقد الزواج ومكانته وإعزاز المرأة وتكريمها. والمهر حق خالص للمرأة يمكن لها التصرف به بأي طريقة تشاؤها هي وليس لوليها ولا لزوجها أي حق فيه. قال تعالى: (وآتوا النساء صدقاتهم نحلة فإن طبن لكم عن شيء منه نفساً فكلوه هنيئاً مريئاً..) سورة النساء الآية 4.

وقال أيضاً: (ولا يحل لكم أن تأخذوا مما آتيتموهن شيئاً ..) سورة البقرة الآية 229.

ج – الإرث:

منح الإسلام المرأة حق الإرث بعد أن كانت تعد جزءاً من الميراث. قال الله تعالى: (للنساء نصيب مما ترك الوالدان والأقربون مّما قلّ منه أو كثر نصيباً مفروضاً) سورة النساء الآية 7.

فللزوجة حق الإرث مما يتركه زوجها حال وفاته, فلها الربع في تركته إن لم يكن له ولد فإن كان له ولد فلها الثمن مما ترك ويجدر بنا هنا أن ننّوه إلى أن نصيب المرأة في الميراث هو على النصف من نصيب الرجل: (للذكر مثل حظ الأنثيين ..) سورة النساء الآية 11.

وليس هذا بتفضيل للرجل على المرأة بل هو ضرورة قائمة على أساس التفرقة بين أعباء الرجل الاقتصادية في الحياة وأعباء المرأة .فمسؤولية الرجل, من الناحية المادية أوسع كثيراً من مسؤولية المرأة فالرجل هو المكلف بالإنفاق على الأسرة هو ربها والقوام عليها ,على حين أ، المرأة زوجة كانت أم بنتاً , ليست مكلفة بالإنفاق لا على نفسها ولا على غيرها. وبذلك نصل إلى نتيجة مفادها أن الإسلام قد بلغ أوج العدالة والحكمة حين جعل للمرأة نصف نصيب الرجل من الميراث . بل ويمكننا القول : أن الإسلام قد بلغ في تكريم المرأة فلم يسلك معها سبيل العدل فقط بل وفوق العدل ,حين جعل لها نصف نصيب الرجل من الميراث مع إعفائه إياها من أعباء المعيشة وإلقائها جميعها على كاهل الرجل ولا تقتصر حقوق الزوجة المالية على هذه الحقوق, إذ هي حقوق خاصة في حالة كونها زوجة, بل لها بالإضافة إلى هذه الحقوق حقوق أخرى كانت مقررة لها قبل الزواج, وتصطحبها معها إلى ما بعد الزواج وهي الحقوق المدنية المالية التي ذكرت ضمن حقوق المرأة بوجه عام. فللمرأة المتزوجة في الإسلام شخصيتها المدنية الكاملة وثروتها الخاصة وذمتها المالية.

وهي في كل هذا مستقلة عن شخصية زوجها وثروته وذمته المالية ولا يحل للزوج التصرف في أي شيء من أموال زوجته دون رضاها وإذنها. وبذلك تظل المرأة بعد زواجها محتفظة باسمها واسم أسرتها وبكامل حقوقها المدنية وبأهليتها في تحمل الالتزامات وإجراء مختلف العقود من بيع وشراء وهبة ووصية ومحتفظة بحقها في التملك كاملاً مستقلاً عن غيرها, ولها كل هذا دون اعتبار لإذن الزوج ولا لرضائه.

     الحواشي:

/1/ ولا تعني كلمة فضل في هذه الآية أن الرجال أفضل من النساء بل كل ما يعنيه التفضيل هنا, هو تزويد الله للرجال بتغليب العقل على العاطفة وهذا ما لم يزود به النساء.

/2/ للزوج أن يمنع زوجته من العمل , فإن رفضت سقط حقها في النفقة وإن رضي الزوج بعمل زوجته لم يسقط حقها في النفقة.

/3/ لا يجب على المرأة خدمة زوجها في الخبز والطحن والطبخ والغسيل وغيرها من خدمات وإذا ما قامت المرأة بهذه الأعمال فإن هذا يعتبر تطوعاً من جانبها, إذ أن إيجاب الخدمة على الزوجة يمسّ كرامتها ويحول حياتها الزوجية إلى حياة الخادمية, كما أنه يحول دون تعلمها وإتمام ثقافتها, وربما يعوقها على القيام بتربية أولادها التربية الروحية الإيمانية.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق