الجهوية الموسعة بالمغرب إنطلاقا من الخطاب الملكي
لقد كان خطاب صاحب الجلالة محمد السادس حفظه الله في الأسابيع القليلة الماضية انطلاقة حقيقية لورش كبير يهدف من خلاله إلى وضع المسلسل التنموي بالمغرب في مساره الصحيح من خلال الخوض في تفعيل الجهوية الموسعة وتشكيل لجنة استشارية من أجل الوصول إلى بلورة تصور واضح الملامح لنموذج المغربي للجهوية الموسعة، وتتضمن هده اللجنة شخصيات وازنة وتتميز بتعدد انتماءاتها واختلاف مشاربها وهو ما جرى به العرف السياسي بالمغرب، حيث يعهد الملك إلى لجنة استشارية خاصة بطرح تصوراتها للقضايا المهمة مثل اللجنة التي سهرت على إعداد مدونة الأسرة وغيرها من اللجان.
تعريف الجهوية الموسعة
تعتبر الجهة مجموعة ترابية منسجمة مجاليا، تهدف إلى خلق نوع من التكامل التنموي بغية تحقيق قدر من التوازن الاقتصادي والاجتماعي بين الأقاليم في إطار التنمية الجهوية، الذي يلائم تدخل الدولة لإنجاز عمليات التخطيط والتنمية المحلية، وقد تم تبنيها بعد أن أصبح الدول الكلاسيكي للدوائر التقليدية الأخرى كالأقاليم لا يواكب التطور الاقتصادي ومتطلبات الأعمال الاقتصادية الجهوية، فالجهوية تتمثل كنظام للتنظيم الإداري يضع جملة من الاختصاصات الهامة بيد الفاعلين المحليين من مجموع التراب الوطني ارتباطا بهرمية إدارية. غير أنه ليس هناك شكل واحد ومحدد للجهة إذ تختلف باختلاف المعطيات الحضارية والاقتصادية لكل أمة. دلك أن الخصوصيات الحضارية والسياسية والثقافية بين الدول هي التي تفرض نفسها بقوة، بيد أن هنا قاسما مشتركا يجمع فيما بينها، وهو السعي إلى تقليص الفوارق بين مختلف الأقاليم بغية تحقيق تنمية مستديمة ومتوازنة والحرص على ضمان وحدة الدولة الوطنية.
الجهوية الموسعة ...عبر مراحل
تندرج الجهوية الحالية بالمغرب في إطار تشييد مغرب عصري ما فتئ جلالة الملك الحسن الثاني طيب الله تراه يطمح إلى تحقيق بعد أن سهر على ضمان إرساء أسسه بكيفية تدريجية وملائمة.
وهكذا فإن الجهوية تبدوا إطارا ملائما وحلقة رئيسية قادرة على إتمام واستكمال الصرح المؤسساتي للمملكة باعتبار أن الجهة ستبدع هيئة جديدة ، ستمكن ممثلي السكان من التداول في إطارها، بكيفية ديمقراطية، من خلال منتخبيهم في الجماعات المحلية والهيئات الاجتماعية المهنية، في شأن مطامح ومشاريع جهاتهم، وبالتالي إعطاء الانطلاقة لديناميكية متميزة للمنافسة والتنمية الجهوية.
وكسائر التطلعات الكبرى، فقد تم امتحان مدى نضج الجهوية عبر مراحل متعددة حيث شكلت المراجعة الدستورية لصيف 1992، تحولا في النظام الترابي المغربي الخاص بالجهات وجاء التعديل الدستوري لسنة 1996، ليعطي دفعة قوية لمفهوم الجهة بإقرارها مؤسسة دستورية، ودلك بجعلها إطارا ترابيا لانتخاب ثلاثة أخماس مجلس المستشارين، واعتبار الجهة مؤسسة من المؤسسات الجماعية المحلية التي تعمل على تنظيم المواطنين وتمثيلهم هدا الإقرار الدستوري بالجهة أبان أن السلطة السياسية في المغرب، تتجه نحو تكريس الجهوية من خلال بعض النماذج المقارنة.
الجهوية الموسعة...خصوصية مغربية خالصة
قبل هذا التاريخ كانت سياسة الجهة، بما هي تنظيم إداري سياسي، تبنتها ألمانيا في دستور 1949، وإيطاليا في دستور 1948 وإسبانيا في دستور 1978، وجعلت من الجهة العنصر الأساسي في التنمية الاقتصادية والاجتماعية. أما في المغرب فقد أخذت سياسة اللامركزية بعدها الجهوي، بموجب قانون تنظيم الجهات 47-96 في 2 أبريل 1997، قسم البلاد إداريا إلى 16 جهة يرأس كل جهة واحدة والي، وتشمل توزيع الجهة عدة أقاليم وعمالات.
الخطاب الملكي الأخير، أعاد النقاش حول الجهوية ، وأعطاها بعدا موسعا، يأخذ بعين الاعتبار الخصوصيات الثقافية والترابية والبشرية على امتداد البلاد. فقد تولى تنصيب اللجنة الاستشارية للجهوية، ووضع على رأسها السفير المغربي بإسبانيا، السيد عمر عزيمان ، وفتح بدلك ورشا هيكليا كبيرا، يحدث تحولا نوعيا في أنماط الحكامة الترابية، ويؤكد مسلسل الإصلاحات المؤسساتية التي دشنها المغرب منذ العشرية الأخيرة. الخطاب الملكي حدد الخيارات المطروحة واعتبر الجهوية الموسعة المنشودة ليست مجرد إجراء تقني أو إداري بل توجها حاسما لتطوير وتحديث هياكل الدولة، والنهوض بالتنمية المندمجة، كما اقترح على اللجنة الاجتهاد من أجل إيجاد نموذج مغربي للجهوية، تأخذ بعين الاعتبار طبيعة نظام الملكية بأنها من أعرق الملكيات في العالم، الخطوط العريضة لطبيعة الجهوية التي يتوخاها المغرب، رسمها الخطاب الملكي من خلال أربعة محددات، ويتعلق الأمر، أولا التشبث بمقدسات الأمة وثوابتها في وحدة الدولة والوطن والتراب، لأن الجهوية الموسعة يجب أن تكون تأكيدا ديمقراطيا للتميز المغربي، الغني بتنوع روافده الثقافية والمجالية. ثانيا الالتزام بالتضامن بتجنب اختزال نموذج الجهوية في جرد توزيع جديد للسلطات، بين المركز والجهات، بقرد ما يفترض أن يشكل النموذج آليات ناجعة للتضامن، المجسد للتكامل والتلاحم بين المناطق. وثالث المحددات، اعتماد التناسق والتوازن في الصلاحيات والإمكانات وتفادي تداخل الاختصاصات أو تضاربها، بين مختلف الجماعات المحلية والسلطات والمؤسسات، ثم أخيرا انتهاج اللاتمركز الواسع القائم على التناسق والتفاعل.
يرجى الإنضمام الى مجموعتنا على الفيسبوك
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق