دور الوساطة التجارية في الرقي بالتجارة
إن كنت بحاجة الى هذا المقال يمكنك تحميله من أسفل الموضوع على رابطين و بحجم صغير وفي صيغة pdf
من إعداد
فاتحة الغلالي
باحثة في سلك الدكتوراه بكلية الحقوق،
جامعة إبن زهر بأكادير
مقدمة:
شهد العالم في
الآونة الأخيرة، تحولات اقتصادية وتكنولوجية أدت إلى مرونة انتقال الأموال وبروز
تنافسية دولية على مستوى تحسين وتحديث مناخ الأعمال، مما ظهرت معه الحاجة الماسة
للأخذ بالوسائل البديلة في مجال حل المنازعات، سعيا إلى توخي السرعة والفعالية
واقتصاد في النفقات، والحفاظ على المعاملات حتى بعد فض النزاع.
ويعتبر المغرب من الدول التي عملت جاهدة
على تبسيط مساطرها الإدارية لتيسير مبادلاتها التجارية، وذلك من خلال التوقيع
والمصادقة على العديد من الاتفاقيات المتعددة الأطراف أو الثنائية في مجال التعاون
والتكامل الاقتصادي والتجاري[1]، هذه الاتفاقيات التي
ألزمته بضرورة تحسين مناخ أعماله عن طريق النهوض بالأساليب البديلة لحل المنازعات،
وفي مقدمتها التحكيم والوساطة.
هذه الأخيرة التي تعد إحدى الآليات القانونية لفض النزاعات بشكل متميز
وسريع في الزمان والمكان، وأداة إستراتيجية لإعادة بناء العلاقات المتوثرة بين
الأطراف، فالتجارة والاستثمار بما تحمله من روح المغامرة وتحفيز للمبادرة
الحرة، وما يعتريها من صعاب مالية، تهدف دائما نحو الابتعاد عن شكليات التقاضي
والحفاظ على الروابط الاقتصادية والتجارية بين الأطراف.
كما تلعب الوساطة التجارية[2]،
دورا جوهريا في توفير المناخ المناسب لتشجيع التجارة والاستثمار، عن طريق إشاعة
ثقافة التفاوض من أجل مواجهة متطلبات وإكراهات وتنافسية عولمة الاقتصاد، وتجاوز
عقدة المشاحنات والصراعات، وتحقيق علاقات تقوم على التواصل والتفاهم والسلم
الاجتماعي والابتعاد عن تعقيدات المساطر القضائية.
وما إدماج المشرع المغربي للوساطة الاتفاقية[3] في
التشريع المغربي، إلا استجابة منه للتحولات الاقتصادية والاجتماعية التي يعرفها
العالم، والتي وجد المغرب نفسه مدعوا لمسايرتها بإصدار تشريعات جديدة تواكب ركب
العصر في عالم المال والأعمال.
ومن هنا نتساءل كيف ساهمت الوساطة التجارية في الرقي بعالم
التجارة والاستثمار في المغرب؟
وللإجابة عن هذه الإشكالية المحورية، سنحاول تقسيم هذا الموضوع إلى
مطلبين، نتناول في الأول مزايا الوساطة التجارية ونطاق تطبيقها، في حين نخصص
المطلب الثاني لنماذج من نظام الوساطة التجارية بالمغرب.
تهدف الوساطة التجارية إلى ترسيخ مبدأ
العدالة التصالحية باعتبارها خيارا استراتيجيا وحلا ناجعا وسريعا للقضاء على معظم
النزاعات التجارية، فالعلاقات التجارية غالبا ما تصاحبها تضارب بين مصالح التجار
يستدعي حلها اللجوء إلى مساطر تراعي مصلحة جميع الأطراف المتنازعة.
والوساطة التجارية تتميز بمجموعة من المزايا
تجعلها قادرة على معالجة الخلافات التجارية بشكل ودي وعقلاني والمساهمة في توفير
المناخ المناسب لتشجيع التجارة والاستثمار وإشاعة ثقافة الحوار والسلم الاجتماعي.
ومن أجل الإلمام بكل ما سبق، سنحاول تقسيم
هدا المطلب إلى فقرتين، نتناول في الفقرة الأولى مزايا الوساطة التجارية في حين نخصص الفقرة
الثانية لنطاق تطبيقها.
الفقرة
الأولى : مزايا الوساطة التجارية
أظهرت إحصائيات بعض مراكز الوساطة[4]، بأن مؤسسة
الوساطة التجارية نجحت بشكل كبير في السنوات الأخيرة في استقطاب العديد من
النزاعات التجارية[5]،
وذلك بفضل مزاياها العديدة والتي نذكر منها:
أولا : المحافظة على العلاقات التجارية بين الأطراف
إذا كان دور القاضي ينحصر في تحديد صاحب الحق
والحكم لصالحه، فإن ذلك يخلق تدمرا في نفس خاسر الدعوى، مما ينتج عنه تعنت المحكوم
ضده في تنفيذ الحكم القضائي، على عكس ماهو عليه بالنسبة للوساطة التجارية التي
تتميز بالسعي نحو المحافظة على العلاقات الودية بين الأطراف، والإبقاء على إمكانية
التعامل فيما بينهم، بالنظر إلى ابتعادها عن منطق الربح المطلق وما يتولد عنه من
إحساس بالقوة والانتصار على الآخر، فهذا النظام يعطي الأولوية للمصالح الاقتصادية
على القواعد القانونية[6].
ثانيا : تبسيط المساطر
إذا كانت الدعوى القضائية تحكمها قواعد
وشكليات قانونية تقلص من حرية القاضي والأطراف في إيجاد الحلول المناسبة للنزاع
المطروح على المحكمة، فمن إيجابيات الوساطة أنها متحررة من كل الشكليات والتعقيدات
المسطرية، بل وحتى من بعض القواعد الجوهرية، ذلك لأن أطراف النزاع هم الذين يحددون
مسطرة حل النزاع ومدة حل هذا الحل.
كما أن الوساطة لا تقف عند متطلبات العدل
المثالية، ولا تتقيد بضوابطه المتسمة بالتجريد والتعميم والالتزام بالكيل بنفس
المكيال في كل النوازل مهما اختلفت الظروف والأحوال والأشخاص، بل إن الوسيط يستعمل
لكل حالة ما يوافقها من معايير ومقاييس، الأمر الذي يجعل عمله واقعيا وأقرب إلى
العدالة النسبية منه إلى العدل المطلق. وهذا ما يشجع رجال الأعمال والاقتصاد على
اللجوء للوساطة لفض نزاعاتهم لأن حلولها تنبني على الواقع[7].
ثالثا :الاقتصاد في التكاليف
إن ملاءمة الوساطة التجارية للواقع المغربي
تمليه عدة اعتبارات مرتبطة أساسا بانخفاظ تكلفة هذه الآلية مقارنة مع الدعوى
القضائية والتحكيم، على اعتبار أن النسيج الاقتصادي المغربي يتشكل أساسا من المقاولات
الصغرى والمتوسطة، والتي تتميز بهشاشة بنياتها وضعف قدراتها المالية وغلبة الطابع
العائلي على بنية رأسمالها، مما لايمكنها من مواجهة التكاليف المرتفعة للنزاعات
التي تنشب بينها وبين شركائها والتي ينظر فيها القضاء الرسمي أو القضاء الخاص عن
طريق التحكيم[8].
فالمصاريف القضائية تعد أحد سلبيات القضاء
الرسمي، سواء ما تعلق منها بمصاريف الخبراء وأداء الرسوم القضائية أو مصاريف الطعن
والتبليغ والتنفيذ إلى غير ذلك، على خلاف الوساطة التي تتميز بانخفاض تكلفتها
مقارنة بالدعوى القضائية.
رابعا : دعم مناخ الأعمال والاستثمار
يعتبر الاستثمار دعامة أساسية للتنمية، لكونه
يشكل بالإضافة إلى الطاقة الإنتاجية، الزيادة في الثروات، لدى تساهم الوساطة
التجارية بفضل مزاياها العديدة في توفير المناخ المناسب لتشجيع الاستثمار
والمبادرة الحرة وإشاعة ثقافة التفاوض من أجل مواجهة متطلبات وإكراهات وتنافسية
عولمة الاقتصاد، و خلق بيئة استثمارية جذابة ومشجعة على تحقيق مكاسب مشتركة لطرفي
النزاع، قائمة على حل مرض للطرفين[9].
خامسا : ترسيخ ثقافة الحوار والسلم الاجتماعي
يعتبر تفعيل الوساطة التجارية ترسيخا لثقافة
الحوار داخل المجتمع، وتحسينا للعلاقات بين التجار من خلال ضمان استمرارها بعد حل
النزاع، مما يؤدي إلى تعايش الأطراف والبعد عن الخصومة وإشاعة الأمن والسلم بين
أفراد المجتمع، بخلاف الأحكام القضائية التي غالبا ما تورث الكراهية والحقد بين
أطراف النزاع، فكما يقول المثل الفرنسي " تسوية سيئة خير من محاكمة جيدة
"[10].
فالوساطة التجارية كآلية بديلة قادرة على
الحفاظ على استمرار العلاقات التجارية بين الأطراف المتنازعة، فهي تهدف إلى إيجاد
عدالة التهدئة التي تنبني على الحوار عكس القضاء الذي قد يفسد هذه الروابط لكون
أحكامه غالبا ما لا ترضي أطراف النزاع.
الفقرة الثانية:
نطاق تطبيق الوساطة التجارية
بالرجوع إلى المادة 5 من القانون 95-53 المحدث المحاكم التجارية نجدها
تنص على أنه : "...يجوز للأطراف الاتفاق على عرض النزاعات المبينة أعلاه على
مسطرة التحكيم والوساطة وفق أحكام الفصول من 306 إلى 70-327 من قانون المسطرة المدنية."
من هنا يتبين لنا أن المشرع المغربي أعطى لرجال الأعمال إمكانية عرض
نزاعاتهم على الوساطة بدل المحاكم التجارية بغية المحافظة على المصالح التجارية.
ومن أهم النزاعات التي يمكن عرضها على الوساطة حسب المادة 5 من
القانون 95-53[11] نذكر ما يلي:
أولا: النزاعات
المتعلقة بالعقود التجارية
تعتبر العقود التجارية إحدى الأدوات القانونية المهمة التي يتم
بواسطتها إبرام التصرفات وإجراء المعاملات وتبادل الثروات والخدمات في الميدان
التجاري، وقد خصص لها المشرع المغربي المواد من 336 إلى 544 من مدونة التجارة، لكن
تعدادها كان على سبيل المثال فقط وليس الحصر، وبالتالي يمكن أن تنضاف إليها سائر
العقود التي يستقر العمل على ثبوت طبيعتها التجارية، وكذا تلك التي ترتبط بجوانب
أخرى من المادة التجارية كعقود التأمين والعقود البحرية وعقود البيع الدولية
وغيرها[12].
وبالتالي فكل هذه العقود يمكن لأطرافها اللجوء إلى الوساطة في حالة
نشوء نراع فيما بينهم بدلا من القضاء، لأن الوساطة قد تنجح على المحافظة على
العلاقات الودية بين الأطراف.
ثانيا : النزاعات
التي تنشأ بين التجار والمتعلقة بأعمالهم التجارية.
تعتبر الوساطة التجارية وسيلة مهمة لحل النزاعات الناشئة بين التجار
والمتعلقة بأعمالهم التجارية سواء تلك المتعلقة بأنشطتهم الاعتيادية أو الإحترافية
أو تلك التي تماثلها أو يقوم بها التاجر بمناسبة تجارته.
فكل هذه النزاعات يمكن أن تكون مجالا للوساطة التجارية، مادامت ذات
طبيعة تجارية وتدخل في اختصاص المحاكم التجارية كما نصت على ذلك المادة 5 من
القانون رقم 95-53.
ثالثا : النزاعات
الناشئة بين الشركات في شركات تجارية
أكد المركز الدولي للوساطة والتحكيم بالرباط، عبر موقعه الإلكتروني أن
38% من النزاعات التي يتم إحالتها على المركز هي عبارة عن نزاعات بين الشركات، لأن
الوساطة تمنح للأطراف المتنازعة ضمانات أكثر، من أهمها أن الوسطاء يراعون أثناء حل
النزاع العادات التجارية وكذا مبادئ التجارة الدولية مما يساهم في حل النزاع في
وقت وجيز وبأقل الخسائر أيضا.
رابعا: النزاعات
المتعلقة بالأصول التجارية
يعتبر الأصل التجاري من أهم ما ابتدعه الفكر التجاري، فقد عرفه المشرع
المغربي في المادة 79 من مدونة التجارة بأنه:" مال منقول يشمل جميع الأموال
المنقولة المخصصة لممارسة نشاط تجاري أو عدة أنشطة تجارية".
إذن، فالأصل التجاري يتكون من مجموعة من العناصر المادية والمعنوية
المخصصة لممارسة النشاط التجاري، وهو يهدف أساسا إلى تكوين حصيلة من الزبناء
وتنميتها. وإذا كان لكل عنصر من العناصر المكونة له كيانه القانوني الخاص به،
وقيمته الاقتصادية الذاتية، فإن من مجموع العناصر، وعن طريق عملها متحدة تتكون
وحدة مستقلة قائمة بذاتها هي الأصل التجاري الذي له بدوره كيانه القانوني المتميز
وقيمته الاقتصادية الذاتية[13].
وبالتالي فكل عنصر من عناصر الأصل التجاري يمكن أن تثار بشأنه مجموعة
من المنازعات[14]والتي
يمكن أن تكون محلا للوساطة التجارية بدلا من القضاء التجاري.
المطلب الثاني : نماذج لنظام الوساطة التجارية بالمغرب
شكلت الوساطة التجارية المحور الرئيسي للعديد من الدراسات والبحوث
والملتقيات العلمية، خاصة بعد أن أصبح تنزيلها على أرض الواقع أمرا حتميا ورهان
لابد من كسبه لتحقيق النجاعة القضائية والحد من النزاعات التي تقيد تطوير الاقتصاد
والرقي به.
وهذا ما جعل بعض المؤسسات المغربية تتبنى نمادج مهمة لنظام الوساطة
التجارية، رغبة في ترسيخ ثقافة الوسائل البديلة في المجال التجاري، ومن أهم هذه
المؤسسات نجد الكونفدرالية العامة للمقاولات بالمغرب والمجموعة المهنية لبنوك
المغرب .
وقد عرفت كلتا التجربتين نجاحا مهما، نظرا لكون جميع الفاعلين
والمتدخلين في هذه المؤسسات واعين بأهمية الوساطة في الرقي بعالم المال والأعمال.
وسنحاول في هذا المطلب تسليط الضوء على هاتين التجربتين وذلك على
المنوال التالي:
الفقرة الأولى: تجربة
الكونفدرالية العامة للمقاولات بالمغرب
تأسست الكونفدرالية العامة للمقاولات بالمغرب، إبان الحماية الفرنسة
في 20 أكتوبر 1947 ، وتمت مغربتها في سنة 1969 بعد انضمام جامعة الصناعيين
المغاربة إليها، لتصبح بذلك الممثل الرئيسي للمقاولات المغربية والمدافع عن
مصالحها أمام السلطات العمومية.
وسنحاول في هذه الفقرة التطرق لأهم أدوار الكونفدرالية العامة
للمقاولات بالمغرب (أولا) وكذا مساهمتها في ترسيج ثقافة الوساطة التجارية في
الميدان التجاري كأول تجربة على الصعيد الوطني (ثانيا).
أولا : أدوار الكونفدرالية
العامة للمقاولات بالمغرب
أخذت الكونفدرالية العامة للمقاولات على عاتقها الالتزام بدعم وتشجيع
المقاولة المغربية، لخلق سياسة اقتصادية تنموية عن طريق تقديم المساعدة والإستشارة
لصالح أعضائها من أجل تنظيم وتطوير أنشطتهم، وكذا ربط شراكات فيما بينهم أو بين
مستثمرين أجانب.
كما تعمل الكونفدرالية على دراسة المناخ الاقتصادي للمقاولات، من أجل
تحديد المشاكل التي تواجهها سواء قطاعيا أو على مستوى المنطقة الجغرافية، واقتراح
الحلول الملائمة لتجاوزها عن طريق الاتصال المباشر بالسلطات الحكومية المختصة، لأن
الكونفدرالية العامة للمقاولات هي المدافع الرسمي عن مصالح منخرطيها أفرادا وجماعات[15].
بالإضافة إلى أن الحلول والبرامج التي تقترحها الكونفدرالية تكون
عملية وواقعية لأنها تكون نابعة من تجربة منخرطيها أنفسهم، وتأخذ بعين الإعتبار
الواقع المغربي، ومن أبرز هذه الحلول نجد تشجيع اللجوء إلى الوساطة التجارية في
حالة نشوء نزاعات بين أعضائها، فالوساطة خدمة ممتازة توفرها الكونفدرالية
للمقاولات المنخرطة داخلها.
ثانيا : مساهة الكونفدرالية في
ترسيخ ثقافة الوساطة التجارية
في إطار عمل الكونفدرالية العامة للمقاولات لنشر ثقافة الوسائل
البديلة لحل المنازعات داخل الاتحاد، قامت كأول تجربة بإحداث مركز للتوفيق داخل
الاتحاد يسمى مجلس الأمناء، ويتكون هذا المجلس من رئيس وأعضاء يتم تعيينهم من طرف
الكونفدرالية باقتراح من رئيسه بناء على كفايتهم وتجربتهم[16]، وذلك من أجل ممارسة مهام الوساطة والتوفيق
في حالة نشوء نزاعات بين المقاولات العضو في الاتحاد.
لكن في سنة 2005 سيتم إلغاء مجلس الامناء بموجب قانون 19 أبريل 2005
ليحل الوسيط محل هذا المجلس، نظرا للدور الهام والإيجابي الذي يقوم به الوسيط في
تقريب وجهات نظر أطراف النزاع وتنشيط الاجتماعات، والحفاظ على سريتها وعلى حياده
وموضوعيته فيها.
وبالرجوع إلى القانون الداخلي للكونفدرالية العامة للمقاولات بالمغرب،
نجده ينص على ضرورة اللجوء إلى إجراء الوساطة في حالة نشوء نزاع بين
المقاولات العضو في الاتحاد، وذلك عن طريق تعيين وسيط من طرف مجلس الإدارة، والذي
يعمل على تقريب وجهات نظر أطراف النزاع، وذلك من خلال أربعة مراحل أساسية؛ تبدأ
بوقوف الوسيط على وقائع النزاع لتحديد المصالح موضوع النزاع، ثم البحث عن الحلول
الضرورية للنزاع وأخيرا تحرير اتفاق الوساطة[17].
لكن مع ذلك فالتقييم الذي قامت به الكونفدرالية أثناء الوقوف على
نتائج الوساطة في ميدان الأعمال، أظهر أنه على الرغم من نجاح هذه التجربة، إلا أنه
يتعين على المقاولات أن تدرج في العقود التجارية شرط الوساطة لكي يتم سلوكها
تلقائيا في حالة قيام نزاع لأنه في حالة غياب هذا الشرط يكون اللجوء إلى الوساطة
غير إلزامي[18] .
الفقرة الثانية : تجربة المجموعة
المهنية لبنوك المغرب
نظرا لأهمية القطاع البنكي في النهوض باقتصاد الدولة، فقد تم التفكير
في وضع قواعد خاصة لتنظيم المعاملات البنكية، وما ينجم عنها من منازعات قد تكلف
البنوك خسائر مادية ومعنوية إن هي عرضت على الجهاز القضائي.
لدى اهتدت المجموعة المهنية لبنوك المغرب إلى إحداث ميثاق الوساطة،
يتماشى وخصوصية القطاع البنكي في مجال تسوية المنازعات الناشئة بين البنك والزبون
أو فيما بينها.
وسنعمل في هذه الفقرة بالاقتراب أكثر من هذه المؤسسة من الخلال الوقوق
على إطارها القانوني (أولا) وكذا مسطرتها (ثانيا) وذلك على المنوال التالي:
أولا : الإطار
القانوني للوساطة البنكية
تستمد الوساطة البنكية مرجعيتها القانونية من القانون رقم 05-08
المتعلق بالوساطة الاتفاقية والصادر في 30 نونبر 2007، وعلى هذا الأساس عملت
البنوك، وعلى رأسها بنك المغرب والمجموعة المهنية لبنوك المغرب، على إنشاء نظام
للوساطة خاص بالمعاملات البنكية، وجسد ذلك في ميثاق بين البنوك، توافقت من خلاله
هذه الأخيرة على مبدأ الوساطة وعلى نظامها، كما تم إعداد ميثاق أخلاقي، إضافة إلى
نظام أساسي للوساطة أعقبه تعيين وسيط في أكتوبر 2008[19]،
وقد انطلق العمل رسميا بهدا النظام في 07 دجنبر 2009.
وتهدف هذه الوساطة البنكية إلى إيجاد التسويات الحبية للنزاعات التي
تنشأ بين البنوك وزبنائها في إطار المعاملات البنكية، علما أن اللجوء إلى هذه
الآلية لا يلغي حق الأطراف المتنازعة في اللجوء إلى القضاء أو مساطر التحكيم.
ثانيا : مسطرة
الوساطة البنكية
يتعين على زبناء البنوك قبل سلوك مسطرة الوساطة، اللجوء أولا إلى
المصالح المختصة لدى المؤسسة التي يتعاملون معها، ويرفعوا مطالبهم وتظلماتهم
إليها، إما بواسطة رسالة مضمونة مع إشعار بالتوصل أو إيداعها مقابل وصل أو إقرار
بالتوصل.
ويجب على البنك أن يجيب على هذه المطالبة داخل أجل أقصاه 21 يوما[20]، يحتسب من تاريخ التسلم، وبعد مرور هذا
الأجل يمكن للزبون الالتجاء إلى الوسيط البنكي لعرض تظلماته التي يتعين على الوسيط
أن يعالجها خلال أجل شهرين قابلة للتمديد، بموافقة مكتوبة من الطرفين.
لكن تجدر الإشارة إلى أن الوسيط البنكي، يختص فقط بحل الخلافات التي لها
علاقة بتدبير الحسابات تحت الطلب، والحسابات لأجل، وحسابات الإدخار، ووسائل
الأداء، في حين لا يمكنه معالجة الملفات التي تتعلق بتحصل الديون أو تلك المعروضة
على القضاء[21].
كما يجب على الزبون الذي يرغب في اللجوء إلى الوساطة البنكية قبل
تقديم شكايته إلى البنك، أن يقوم بتوجيه طلب مصادق على إمضائه إلى المؤسسة البنكية
من أجل رفع السرية المهنية على حسابه ليتمكن الوسيط من الاطلاع على كافة العمليات
المتضمنة في الحساب، لأنه بدون ذلك يمنع على المؤسسة البنكية الكشف عن حساب زبونها
التزاما بقواعد السر المهني[22].
وبعد ذلك يقوم الوسيط البنكي بإجراء الأبحاث والتحريات في شأن النزاع
المطروح، ويستمع إلى وجهات نظر الطرفين في الموضوع، ويقترح الحلول التوفيقية التي
يراها ملائمة لحل النزاع مع تحرير محضر خاص بذلك يتم توقيعه من الطرفين، وفي حالة
امتناع أحد الطرفين عن التوقيع يشار إلى ذلك في المحضر وتسلم نسخة منه لكل منهما[23].
كما أن قرارات الوسيط تكون ملزمة لطرفي النزاع ولا تقبل أي طعن في
حالة إذا كانت قيمة النزاع لا تتعدى 100 ألف درهم، في حين لا تكون هذه القرارات
ملزمة للمؤسسة البنكية إذا تجاوزت قيمة النزاع 100 ألف درهم[24].
خاتمة :
في ختام دراستنا لموضوع الوساطة التجارية ودورها في الرقي بعالم
التجارة والاستثمار في المغرب، تتبين لنا أن الوساطة التجارية تشكل لبنة جديدة في
مجال استحداث آليات جديدة للوساطة بعد صدور القانون 05-08 المتعلقة بالوساطة
الاتفاقية، هذه الأخيرة جاءت بمقتضيات جريئة لا يسعنا إلا أن نثمنها بالرغم من
الثغرات التي توجد فيها.
لكن مع ذلك يتعين على المشرع المغربي، تدعيم هذا الإطار القانوني
المتعلق بالوساطة الاتفاقية بمقتضيات إضافية تراعي خصوصية النزاعات التجارية نظرا
لأهمية القطاع التجاري في الرفع من التنمية لاقتصادية لبلاد.
تحميل البحث من هنا
على عرب شير (سريع التحميل)
على ميديا فير
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق